خمسون ألف أضحية توزع على 500 ألف عائلة
لقد مر عيد الأضحى على العالم الإسلامي في أجواء مختلفة. وقد قامت هيتنا هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بنجاح بتوزيع الأضاحي في 111 دولة من دول العالم وفي 57 ولاية من ولايات تركيا، ووصل الخير إلى الكثير الكثير من العائلات والبيوت. ففي هذه الرقعة الجغرافية الواسعة تم توزيع 50 ألف أضحية من الأضاحي التي تبرع بها أهل البر والخير في تركيا على 500.000 عائلة. فسواء في القوقاز أو في أفريقيا أو في الشرق الأوسط او في الشرق الأقصى أو في أمريكا اللاتينية أو في البلقان كانت هذه الأضاحي التي أهداها أصحابها من أعماق قلوبهم بلسما لليتامى وشفاء للمحرومين من هذه الأمة، وكانت سبا لسعادة لا حدود لها، سعادة لمن أعطى ولمن أخذ
من روديسيا إلى زيمبابواي...
لقد قضينا نحن أيضا موضفو هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية عيد الأضحى في زيمبابواي الدولة التي "بنيت منازلها من الحجر" والقابعة في عمق أفريقيا في نقطة نائية من هذا الامتداد الجغرافي الواسع. هذا البلاد الذي خاض الامتحان مع الغرب يعيش اليوم آلاما لا تعد ولا تحصى؛ الاستعمار، تجارة العبيد، التعذيب، حروب قبيلية لا سبب لها... روديسيا: جزء من اسم شسيل روداز رجل الإنكليز في سنوات الثمانينيات. وهذا الرجل ظل وصمة عار لدى شعب زيمبابواي حتى عام 1980 تاريخ نيل البلاد لاستقلالها. وعندما سئل الوالي الإنكليزي إيان سميث في عام 1965 وقيل له متى يمكن أن تنال الأغلبية ، أي العرق الأسود السلطة؟ رد سميث متهكما: " لا أعتقد أن يكون ذلك قبل ألف عام". وزيمبابواي التي تعتبر من أعرق الحضارات في إفريقيا مازالت إلى اليوم تعاني من التبعية للغرب.
حفنة من النقود مقابل علكة!
بعدما كانت زيمبابواي لسنوات طويلة عضوا في مجموعة الامم الإنكليزية انفصلت عنها في عام 2003، فأصبحت تعيش في حصار خانق دام أربع سنوات وهو ما تسبب في ضسق شديد لمواطنين. فمن بين عدد السكان البالغ 13 مليون نسمة اضطر 3 ملايين منهم للعيش في الدول المجاورة بسبب الفوضى السياسية والاقتصادية في البلاد. فبسبب الضغوطات الشديدة تحولت رياح البلاد نحو الغرب، وقد أصبح كل شيء تقريبا مفقودا في البلاد. والآن اتبهوا جيدا، إن نسبة التضخم وصلت إلى 15.000 بالمائة. هذا أمر لا يمكن فهمه بسهولة، ولكن زيمبابواي المفتوحة على جميع أنواع المضاربات يمكن أن تتغير الأوراق النقدية بين ليلة وضحاها وتوضع أوراق جديدة في مكانها للتداول في الأسواق. فحتى الماء لا يمكن العثور عليه في الأسواق والمحلات التجارية. فلكي تشتري علكة يجب أن تدفع حفنة من النقود. فزمبابواي التي كانت لمدة سنوات طويلة تعتبر مطمور إفريقيا للغلال وتمد الدول المجاورة بالأغذية أصبحت اليوم في ضيق شديد بسبب الضغوط الممارسة عليها، بحيث أصبحت الحياة هناك لا تطاق. وحتى يتمكن المواطنون هنا من سحب بعض الدولارات من البنك يضطرون للوقوف في طوابير طويلة حتى أوقات متأخرة من الليل. وربما بقي وقت قصير جدا على الانفجار الاجتاعي الذي ينتظره الغرب منذ وقت طويل.
أصعب الأعياد
كان من شبه غير الممكن صرف الاموال بالطرق الرسمية ، والأمر نفسه بالنسبة إلى شراء البنزين، كان كل شيء يسجل على الاوراق ولكنه يبقى كذلك إذ لا علاقة له بالدولة في شيء. فركوب التاكسي أو تأجير سيارة أجرة يأخذ منك ساعاتك وأيامك في زيمبابواي. في هذا الجو قضينا عيد الإضحى، وقد كان طريفا ومختلفا.
منذ سنوات طويلة ونحن في هيئة الإغاثة والمساعادات الإنسانية نشارك في عديد الحملات لتقديم المساعدات المقدمة من أهل البر والإحسان إلى مختلف مناطق البلاد، لكننا لم نشعر بالإرهاق بالقدر الذي شعرنا به أثناء توزيعنا لـ402 حصة في هذه البلاد.
وبالرغم من كل ذلك فإنه وبتوفيق من الله تعالى ، هبت النسمات على الفقراء ، ونزل الغيث على زيمبابواي وتمكنا بفضلل الله تعالى من توزيع المساعدات على المناطق التالية التابعة لقصبتي هفانكو وهفانكا وهي: مونت داروين ،شيوستا ، مودزانكره، مبونزي، ماسفينكو، تشينيكا، همانديشي، دامباره، تونكوكارا، شيدونه.
أسعد يوم... عيد بـ 150 عيدا!
إن هذه المصاعب التي اعترضتنا أثناء برامجنا كانت مليئة بالرحمات والبركات كذلك. بينما كنا مستغرقين في القيام بمهمتنا لتوزيع الأضحيات في أثناء أيام العيد المعدودة، وبعد أن فرغنا من توزيع الأضاحي في قصبة مودزانكره التابعة لمدينة مونت داروين اعتنق الإسلام 150 شخصا.
كان عيدا واحدا فتحول إلى 150 عيدا! حقا لقد أصبح دخول كل واحد من إخواننا الإسلام عيدا بحد ذاته. سعدنا وشعرنا بالعزة وغرقنا في الفرحة. وقد تم تقديم معلومات حول الإسلام للقبيلة المنتسبة لـ" مودزانكره" وكان من بينهم رئيس القبيلة، وبعد الكلمة التي استمرت لمدة 10 دقائق نطق جميع سكان القصبة بكلمة الشهادة، وهكذا اختاروا طريق السعادة الأبدية.
ولاشك أن هذه اللحظات كانت من أسعد اللحظات التي عشتها في حياتي كلها. وبعد إعلان القبيلة دخولها في الإسلام أعطينا الضوء الأخضر للشروع في بناء جامع في المنطقة، كما كلفنا أحد
إخواننا بأن يكون إماما في هذه المنطقة بعد أن اختاروا الإسلام دينا لهم. وقد كان الامر نفسه قد حدث قبل سنتين في منطقة شيوتسالي التي يقطنها 800 مسلم.
المسلمون غير مقبولين كمواطنين !
لقد حاولنا ما وسعنا الجهد زيارة المنظمات الإسلامية الموجودة هاراري عاصمة زيمبابواي. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة المسلمين في البلاد لا تتجاوز 1%، بينما تصل نسبتهم الحقيقية إلى مايقرب من 10%. وبسبب الضغوط الشديدة على المسلمين فهم لا يستخدمون أسماء إسلامية. والمسلمون اتوا إلى هنا قبل عام 1963 من ملاوي التي تعرف بروديسيا الشمالية، وباعتبار أن إخواننا الزمبيين والموزنبيقيين لا يعتبرون مواطنين هنا، فقد اعتُبر أنه لا وجود للمسلمين.
وتشكل المجموعات التي هي من أصول محلية 90 % من عدد المسلمين، بينما يعود نصف القسم المتبقي إلى أصول هندية، والقسم الآخر ينحدر من قبائل "الشونا" و"النيدبلي" الموجودة في زيمبابواي. بيد أنه في هذه البلاد كما في بقية أنحاء العام ينتشر الإسلام انتشارا مذهلاً. فأثناء رحلتي الأضحية فقط اللتين نظمتهما هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية اعتنق نحو 1000 شخص الإسلام واختاروه دينا لهم من بين سكان الشونا ذوي الأصول الزيمبابوية.
في زيمبابواي الإصابة بالإيدز شبيه بالإصابة بنزلة البرد
في نهاية هذا المقال نريد أن نضيف شيئا آخر حول هذا البلد. ففي زيمبابواي ، كما في جمهورية جنوب أفريقيا وزامبيا وناميبيا ومالاوي وبوتسوانا ينتشر مرض الإيدز انتشارا كبيرا. فالإصابة بالإيدز في زيمبابواي يشبه تماما الإصابة بنزلة البرد! فمن بين كل خمسة أشخاص تراهم في الطريق هناك واحد منهم يحمل فيروس الإيدز، وفي كل أسبوع يفقد 3000 شخص حياتهم بسبب هذا المرض أغلبهم من الأطفال. كما أنه وللسببب نفسه هناك طفل من بين كل ثمانية أطفال يموت قبل أن يصل عمره الخامسة. وبينما كان معدل عمر الفرد في زيمبابواي 69 عاما في سنة الثمانينيات من القرن الماضي تراجع هذا المعدل اليوم ليصبح 40 عاما فقط. والغريب في الأمر أن أغلب المرضى لا يعرفون أنهم مرضى، وهذا الوضع يزيد أكثر من انتشار المرض. ولقد شكرنا الله شكرا كثيرا على كوننا مسلمين وعلى نعمة الإسلام عندما اطلعنا على هذا المشهد المخيف. إن الحرية الجنسية المطلقة والضعف الاخلاقي هما السبب الكامن وراء كل هذا البلاء الذي خرب المجتمع وأتى على قواعده ونشر فيه هذه الأمراض الفتاكة.