انطلقنا في الطريق لافتتاح الجامع الذي قامت هيئتنا بإنشاءه في قرية دورا التي تبعد مسافة تزيد عن 300 كم من العاصمة أوغادوغو. كان طريقنا طويلاً وعراً. هذه المسافة التي نقطعها في بلادنا في ثلاث ساعات؛ كنا ندرك أننا سنقطعها هنا في ست ساعات. كان برفقتي من مكتب أفريقيا في الهيئة عمر فاروق بوياز، وسليمان من أحد المؤسسات الشريكة؛ وقد أتيا معي من تركيا، بالإضافة إلى دليلنا وهو أخ من السكان المحلين لقرية دورا. أخونا هذا الذي لا نعرف عنه سوى أن اسمه خليفة أخذ يشاركنا أطراف الحديث طول الطرق.
بعد أن قطعنا نحو 100 كم من الطريق تعطلت سيارتنا فجأة وتوقف محركها عن العمل. وما أن أدرنا المحرك وانطلقنا حتى توقف مجدداً. تكرر ذلك عدة مرات إلى أن وصلنا إلى دكان لإصلاح الدراجات النارية. بعد جهد ننجح في إصلاح العطل مؤقتا ونكمل طريقنا. وفي نهاية نصل إلى دورا بعد ست ساعات عصيبة من الطريق.
قمنا بمعية أهالي القرية بافتتاح الجامع الذي يحمل اسم "عثمانلي"، فأقمنا الصلاة، والتقطنا الصور اللازمة لتوثيق انتهاء العمل، ثم توجهنا نحو السيارة بنية مغادرة القرية. وفي تلك الأثناء تماماً شد انتباهي لقاء مفعم بكل شعور صادق يجمع بين دليلنا في الرحلة خليفة مع أكابر القرية. سألت سليمان عن علاقة خليفة بهذه القرية، فشهدت ها هناك قصة هداية أنصت إليها باهتمام وذرفت لها دموعي.
يذكر سليمان:
"خليفة، هو في الأصل من أبناء هذه القرية، لكنه استقر منذ الصغر في العاصمة دون أن يقطع صلته بقريته. وله هنا أقرباء طبعاً. وخليفة ابن لأم مسلمة وأب نصراني، وقد أمضى حياته حتى فترة قريبة نصرانياً. وهو يعمل مصمماً معمارياً، وكان في السابق يساعد في تأمين احتياجات القرية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. قبل فترة وجيزة طلب منه أكابر القرية أن يتواسط لبناء جامع في دورا. لم يرفض خليفة هذا الطلب، وقرر التواصل مع الجهات المطلوبة ولكن جانباً منه يضج بالسؤال: من الذي سيتحمل تكاليف بناء هذا الجامع في قريتنا دون مقابل؟ ثم اتصل بنا. أخذنا الطلب مأخذ الجد، وأعددنا المشروع ثم طلبنا من خليفة تصميمه وفقاً للجوامع التي تم إنشاؤها، فكان ذلك. انهى خليفة تصميم المشروع، وارسله إلينا فقمنا بدورنا بإرسال ملف المشروع إلى هيئة IHH بحثاً عمن يموله ويفتتحه. بفضل الله لم تتأخر الهيئة في تأمين التمويل وأصدرت التعليمات للبدء بأعمال البناء. أول ما قمنا به هو الاتصال بخليفة مبشرين. دُهش خليفة، وقد كان يائساً حتى أثناء قيامه بالتصميم. فلم يستطع أن يخفي فرحته لتحقق طلب أحبته في القرية وإن لم يكونوا على دينه، فانطلق فوراً إلى أهالي القرية وبشرهم بذلك، وباشروا أعمال البناء. تأثر خليفة كثيراً من سرعة العثور على التمويل، وممن تبرع في بناءه من تركيا دون أي مقابل. وبعد مرور زمن قصير على البدء ببناء الجامع أعلن خليفة إسلامه بفضل ومنة من الله عز وجل".
يقبل إلينا خليفة ونحن إلى جانب السيارة فأضمه بشدة وهو الذي صليت إلى جانبه قبل قليل، يغمر قلبي غبظة لأؤلئك المحسنين الذين كانوا وسيلة في عمل الخير العظيم هذا. ها أنا أعود الآن من بوركينا فاسو إلى تركيا وقد كنت شاهداً على عمل خير يجر الكثير من أعمال الخير.