هيئة الإغاثة الإنسانية IHH
0
تبرّع
تابعنا
AR
TRY
أغلق
  • من نحن
  • مالذي نفعله
  • كيف تساهم
  • تسجيل الدخول
المجازر الجماعية في ناميبيا: تاريخ تخشاه ألمانيا
Serhat Orakçı 18.05.2017

15829010_403.jpg
بلغت سياسة الاضطهاد، التي كانت ألمانيا تنتهجها في مستعمراتها الأفريقية، ذروتها بين عامي 1904-1909، فقد أعطت جنودها الحرية الكاملة في ممارسة كل أنواع القتل والتشريد بحق من يعارض وجودها في المنطقة من المحللين، فأخذت ترتكب في حقهم الفظائع من قتل واعتقال وتشريد واغتصاب للأراضي والممتلكات بالإضافة إلى عزلهم في المعسكرات حتى الموت. يتحدث أحد الناجين من المذبحة عن الوحشية التي كانت تُمارس في جزيرة تدعى " القرش" فيقول: أرسلني الألمان إلى الجزيرة، وبقيت هناك عاماً كاملاً، كنا 3500 شخصاً لم يبق منا على قيد الحياة سوى 193 شخصاً، ومات الآخرون جميعهم.

هناك في الجنوب الغربي للقارة الأفريقية، وعلى بعد آلاف الكيلومترات عن أوروبا، انسكبت دماء الآلاف من الأبرياء في أولى المذابح الجماعية التي شهدها القرن العشرين. حدث ذلك بين عامي 1904-1909 بعد أن أصدر الجنرال الألماني لوثر فون تروثا أمراً يقضي بمواجهة من يقف في وجه الاحتلال الألماني للمنطقة بشتى الوسائل، مما أدى إلى قتل نحو 80% من شعب "أوفا هريرو" ونحو 50% من شعب "ناما" دونما رحمة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قامت ألمانيا بنقل الناجين من السكان إلى معسكرات الاعتقال حيث كانت تُصليهم هناك أشد أنواع العذاب دون توقف، فيما قامت بنقل أجساد ما يزيد عن 100 ألف ممن قتلتهم إلى ألمانيا وذلك بهدف استخدامها في مختبرات التجارب العرقية. أما الثلة القليلة التي استطاعت الفرار من مصير المذابح الألمانية فتركوا وسط صحراء كالاهاري بلا طعام ولا شراب لتكويهم رمالها بحرِّها وتنهش الطيور الجارحة أجسادهم.

استمر الاحتلال الألماني لناميبيا من عام 1884 وحتى عام 1945، مارست خلالها أشد أنواع الظلم والاضطهاد على السكان المحليين، فاستولت على أراضيهم وارتكبت بحقهم المجازر الجماعية، وسيطرت على مصادر الألماس في البلاد، واستقدمت لذلك أفضل وحدات الإمبراطورية تدريباً من أجل الحفاظ على بقائها في المنطقة وذلك بأمر من القيصر ولهالم، فقضت على بعض القبائل التي قاومتها، في حين أخضعت القبائل الأخرى. وكانت جزيرة "القرش" من بين معسكرات الاعتقال، حيث لقي الآلاف ممن نقلوا إليها حتفهم هناك.

بلغت سياسة الاضطهاد، التي كانت ألمانيا تنتهجها في مستعمراتها الأفريقية، ذروتها بين عامي 1904-1909، فقد أعطت جنودها الحرية الكاملة في ممارسة كل أنواع القتل والتشريد بحق من يعارض وجودها في المنطقة من المحللين، فأخذت ترتكب في حقهم الفظائع من قتل واعتقال وتشريد واغتصاب للأراضي والممتلكات بالإضافة إلى عزلهم في المعسكرات حتى الموت. يتحدث أحد الناجين من المذبحة عن الوحشية التي كانت تُمارس في جزيرة تدعى " القرش" فيقول: أرسلني الألمان إلى الجزيرة، وبقيت هناك عاماً كاملاً، كنا 3500 شخصاً لم يبق منا على قيد الحياة سوى 193 شخصاً [1]، ومات الآخرين جميعهم. وأجبر الذين رُحِّلوا إلى الجزيرة على القيام بأعمال شاقة التي كان من بينها سلخ لحوم من سبقوهم إلى الموت في الجزيرة عن جماجمهم وعظامهم، وتنظيفها تماماً، حيث يجري نقل العظام والجماجم إلى ألمانيا من أجل إجراء الأبحاث العلمية عليها في الجامعات الألمانية [2].

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استخدم العلماء في الجامعات الألمانية تلك العظام والجماجم في التجارب العرقية. أوغِن فيشر، هو أحد هؤلاء العلماء الذين كانوا يسعون لإثبات تفوق العنصر الآري.

حالياً، يدعو ممثلون عن شعوب ناما وأوفا هَرِرو الحكومة الألمانية والبرلمان إلى الحوار للاعتراف رسمياً بهذه الإبادة الجماعية، والاعتذار من شعب ناما وأوفا هَرِرو. كما يطالبون بإعادة العظام العائدة إلى الناميبيين، المحفوظة في جامعات برلين وفريبورغ، والمعروضة في مختلف المعارض. يعتقد الكبار من شعب ناما وأوفا هَرِرو أن السعادة ستغمر أرواح آبائهم حين يدفنون عظامهم في التراب.

3516.jpg
لا تزال ألماني حتى اليوم تتهرب من الاعتراف رسمياً بالإبادة الجماعية، ولم تستطع الوفود التي ذهبت إلى ألمانيا من تحقيق مرادهم على نحوٍ مُرْضٍ. في عام 2004 قام وزير المساعدات التنموية الألماني هيداماريا وتشزوخ زُوِل بزيارة ناميبيا بمناسبة الذكرى السنوية المئة للإبادة، واعتذر من الشعب الناميبي سعياً منه لإغلاق الملف [3]. ثم استمرت المباحثات فيما بعد، وفي عام 2011 أعادت ألمانيا 20 جمجمة إلى ناميبيا على نحوٍ رمزي، وقدمت الوعود بتقديم مساعدات تقنية إلى ناميبيا، عوضاً عن دفع التعويضات من أجل تخفيف وطأة جميع الممارسات الألمانية تاريخياً.

في شهر كانون الثاني الماضي، قامت جمعية الإبادة الجماعية في أوفا هرِرو (Ova Herero Genocide Association)، وجمعية قادة ناما التقليديين (Nama Traditional Authorities Association) - اللتان تسعيان للحصول على موقعٍ لهما في الاجتماعات الدولية - برفع دعوى في نيويورك ضد ألمانيا بخصوص 100 ألف شخصٍ قتلوا من سكان ناميبيا. تسعى الحكومة الناميبية إلى الجانب المنظمات الأهلية إلى التضيِّق على ألمانيا في الساحة الدبلوماسية، ومقاضاتها عن الإبادة الجماعية الأولى التي نفذتها في القرن العشرين عن طريق المحكمة.

فشلت ألمانيا في الصمود أمام اللوبي اليهودي فاعترفت رسمياً بالإبادة النازية ومحارق الهولوكوست ورضيت بدفع التعويضات، في حين أنها تمتنع عن اتخاذ ذات الخطوات بحق الشعب الناميبي البعيد عن النشاطات اللوبية. وقد قُدم طلبٌ إلى مسؤولي الحكومة الألمانية والبرلمان الألماني عام 2015، ويُنتظر أن تعترف ألمانيا رسمياً بالإبادة التي نفذتها بحق الشعب الناميبي، وتتحمل مسؤوليتها التاريخية عنها، مثلما اعترفت في 24 نيسان 2015 بالإبادة الجماعية المنسوبة إلى الأتراك المتطرفين بحق الأرمن.

على الرغم من الاعتراف الضمني للحكومة الألمانية بالإبادة الجماعية، إلا أن الأقلية الألمانية التي تقطن في ناميبيا ليست راضية عن الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية، وفقاً لألَك زُوِيرن الباحث في الشأن الناميبي، فإن الأقلية ذات الأصول الألمانية التي تعيش غالبيتها في سواكوبموند لا زالت تدافع عن الوقائع التي حدثت في الماضي، ولا تزال متمسكةً بنظراتها العنصرية بإصرار. والتوجه الآخر لدى هذه المجموعة، هو محاولتها المحافظة على المعالم والنصب التذكارية التي تعود إلى عهد الاستعمار، في حين أن الشعب الناميبي يتظاهر بين الحين والآخر مطالباً بإزالة هذه المعالم التي تذكره بأحداث المظالم [4].

لا شك أن الإبادة الجماعية التي مارستها ألمانيا في أفريقيا لم تنحصر عند ناميبيا، فكل أرضٍ داستها أقدامهم في أفريقيا تخفي بين طياتها مآسي شبيهة بتلك التي شهدتها ناميبيا. حيث يمكن أن تلحظ الوجه البارد للامبريالية الألمانية وعنصريتها في التاريخ الذي لم يشهد نوراً في كل توغو وتنزانيا والكاميرون. حتى أن جذور أعمال الإبادة النازية وأسسها النظرية تمتد إلى سنوات الاستعمار في أفريقيا.

السكان المحليون في أفريقيا اليوم، مستعدون للبدء في النضال القانوني من أجل البحث عن حقوق آبائهم، والمقاضاة حول الإبادات الجماعية الاستعمارية. ويستحق هذا النضال كل أشكال الدعم.

المصادر:

[1] Edwin Black, “In Germany’s extermination program for black Africans, a temple for the Holocaust”, The Times of Israel, 05.05.2016, http://www.timesofisrael.com/in-germanys-extermination-program-for-black-africans-a-template-for-the-holocaust/

[2] Bill Johnson, “German imperialism and the African Holocaust”, www.creation.com, 28.11.2013, http://creation.com/african-holocaust

[3] “German minister says sorry for genocide in Namibia”, The Guardian, 16.08.2004, https://www.theguardian.com/world/2004/aug/16/germany.andrewmeldrum

[4] Norimitsu Onishi, “A Colonial-Era Wound Opens in Namibia”, The New York Times, 21.01.2017, https://www.nytimes.com/2017/01/21/world/africa/namibia-germany-colonial.html?_r=1